في ذكرى رحيل عزيز اليمن ..!!

في ذكرى رحيل عزيز اليمن ..!!

 

طه العامري 

يصادف يوم  الثاني والعشرين من شهر رمضان من كل عام ذكرى رحيل عزيز اليمن الشهيد الأستاذ عبد العزيز عبد الغني الذي لقاء ربه في هذا اليوم قبل تسعة سنوات خلت وهي السنوات العجاف التي يعيشها شعبنا ..سنوات عجاف وقاسية دشنت باستشهاد هامة وطنية ورجل دولة من طراز استثنائي وحكيم اختزل في ذاته الحكمة اليمانية وكان ينبوعها وعنوانها ..

لقد شكل استشهاد هذا الرمز الوطني بداية لرحلة يمنية قاسية ، رحلة افتقد كل من فيها الحلم والحكمة والرؤية فكان أن تفرقت السبل بالجميع وتاه الجميع وتفرقت رواحلهم ، وخيمت على سماء اليمن سحب الحقد والكراهية والتناحر حتى لكأني أرى في رحيل الرجل ( سحابة ممطرنا ) التي أهلكت من قبلنا من طغوا وانحرفوا عن جادة الحق والصواب .

من يعرف قيم وأخلاقيات الأستاذ عبد العزيز عبد الغني _ رحمة الله تغشاه _ سيعرف أن في استشهاده رحمة من الله له حتى وإن كان الرحيل ( جزءا من مؤامرة ) لايزل غبارها يتراكم في سماء الوطن اليمني وفي عقول من نسوا الله واليمن فنساهم الله وتجاهلتهم اليمن ..؟!

لا أعتقد أن بقاء الأستاذ ليرى ما نحن عليه فعل يمكن أن يحتمله رجل بحجم ومكانة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني الذي كان يمثل حالة استثنائية في قيمه واخلاقياته وسلوكه وثقافته ورؤيته لوطنه ولقضاياه المحورية والمصيرية ..قبل يوم من استشهاده اي في ليلة الخميس قضاء الأستاذ ليلته متنقلا بين منازل قادة المشترك ومنازل الوجهاء والشيوخ وبين ( الثنية ) حيث منزل ( الزعيم ) باحثا عن حلول للأزمة حريصا على أن لا تذهب الأحداث بعيدا ونفقد زمامها ، لم يكن يعلم رحمة الله عليه أن مقابل مساعيه تلك أن ثمة خطة شيطانية تنسج خيوطها لتنال منه ومن مساعيه ومن صوت العقل والحكمة وحمامة السلام والمحبة وجسر المحبة الذي كان دوما هو عنوانها وبطلها كلما اشتدت العلاقة تازما بين السلطة والمعارضة ، كان رحمة الله ممثل السلطة في المعارضة وممثل المعارضة في السلطة وكانت دارته ملتقى المتنافرين والمتخاصمين والمتنافسين ومعقل الحكمة والتوافق ..كان رحمة الله عليه ( تعزي في حاشد ) وحاشدي في تعز ، وجنوبي في صنعاء وشمالي في عدن ، كان رجل بحجم اليمن ، يعيش معاناة اليمن ويتنفس حاجتها وتطلعات أبنائها وأحلامهم .

كثيرون تحاملوا عليه واطلقوا عليه الكثير من الصفات عن جهل بشخصية الرجل وقدراته وإمكانياته وثفله داخل الوطن وخارجه بل وعلى الساحتين الإقليمية والدولية كان الأستاذ عبد العزيز عبد الغني محل ثقة واحترام وتقدير وكانت مكانته لدى هولاء أكثر مما هي في وطنه وتلك قاعدة متفق عليها وفق القول الماثور ( لا كرامة لنبي في قومه ) ومع ذلك كان ثمة عقلاء يدركون ويعرفون من هو الأستاذ عبد العزيز عبد الغني ويعرفون جيدا مكانته وقوة تأثيره عند الملمات ..

لقد رحم الله الأستاذ عبد العزيز عبد الغني حين أخذه إلى جواره لأن مثله لم يكن قادر على احتمال القادم الذي خيم على سماء الوطن بعد رحيله ، نعم الأستاذ الذي كان إذا أصيب ( بضربة برد ) لم يكن ليغادر المنزل ، وإذا جاءه زوار لم يكن يقابلهم إلا وهو يرتدي البدلة الرسمية مع ( ربطة العنق ) كان قليل الكلام وكثير العمل وكانت اليمن ومستقبلها وأمنها واستقرارها هي ديدن تفكيره ، وقد حاول تجنيب البلاد الكثير من المواقف التي صنعت الأزمة ولكن لم يساعده الكثيرون ،في عام 1994م كان ضد الحرب ومع الحوار والتفاهمات السياسية ، ولم تستمع الأطراف لتحذيراته لكنها أدركت ذلك متأخرة ، وأتذكر حين نشبت الحرب وسقطت قاعدة العمد وخروج ( البيض ) إلى حضرموت وقد أعجب علي محسن بهذا وقرر دخول عدن ووافقه الزعيم لكن الأستاذ هو من اعترض وبقوة ونصحهم بالتوقف في( منطقة صبر ) والتوجه نحو حضرموت حتى لا يقدم البيض وبدعم من أطراف إقليمية ودولية لاعلان دولة في حضرموت محذرا الجميع من تجاهل تحذيراته ومنوها إلى تبدل الموقف الأمريكي _ يومها _ لصالح دعاة الانفصال ..؟!

في اليوم التالي كان الأستاذ عبد العزيز والدكتور عبد الكريم الارياني _ رحمة الله عليهما جميعا _ يغادران العاصمة صنعاء الى نيويورك وتمكنا بعلاقتهما وثقلهما ومكانتهما من تغير الموقف الأمريكي وهذا التبدل في الموقف الأمريكي هو من جعل ( الزعيم ) يلقي كلمته الشهيرة من جامعة صنعاء ومن قاعة الزعيم جمال عبد الناصر حيث أشار في ذلك الخطاب إلى تبدل في مواقف بعض الأصدقاء مؤكدا أن الوحدة باقية مجددا شعاره ( الوحدة أو الموت )؟!

لم يكن ( الزعيم ) سيلقي ذلك الخطاب الذي بدأ فيه في موقع ( التحدي ) حتى لأمريكا لو لم يكن قد تلقي تطمينات من الاستاذ والدكتور بحيادية الموقف الأمريكي وتراجع البيت الأبيض عن تصريحات سابقة مفادها رفض ( الوحدة بالقوة )؟!

فيما يتعلق بجبهة حضرموت اتضح لاحقا صحة رؤية الأستاذ فقد كان هناك مخطط سيلعن اول ما تدخل ( الشرعية العاصمة عدن ) بإعلان دولة في حضرموت وكان هناك اطرف جاهزين للاعتراف بها إقليميا ودوليا ولكن تحول الشرعية لحضرموت وتوقفها عن دخول عدن حال دون ذلك الاعلان ..

الأستاذ عبد العزيز عبد الغني لم يكن مجرد رجل دولة أو شخصية اعتبارية بل كان حكيما وقائدا وطنيا استثنائيا ويمكن وصفه بالتحكيم وصانع الملوك ، وشكل مع الثنائي دكتور عبد الكريم الارياني والاستاذ محمد سالم باسندوة عنوان وينبوع الحكمة اليمانية الصادقة والمخلصة ، ولكن للاسف ترويكا الحكمة هذه تم تهميشها من الداخل لصالح ( العيال التي كبرت )؟!!

ولقد قتل الشهيد الأستاذ عبد العزيز عبد الغني مرتين الأولى في ( الجامع ) والثانية في إحدى مشافي ( جارة السوء ) ؟!

لكن من قتل الأستاذ جسدا خوفا مما يعرفه عنهم وعن تاريخهم التامري الدني بحق اليمن الارض والإنسان يستحيل عليهم أن يقتلوا رجلا يستوطن ذاكرة الوطن والأجيال ، فيما التاريخ ها هو يكشف لوحده عن أوراق التآمر ،فيما الأستاذ في جوار ربه هانئيا مطمئنا بعيدا عما يجري لوطنه ولم يكن قادرا على احتماله مطلقا..الف رحمة ونور على روحك الطاهرة استاذ عبد العزيز عبد الغني وعيش هادئها في جنات الفردوس بإذنه تعالى فأنت كنت وسوف تبقى بحجم الوطن وعنوان الحكمة والحصافة ..

لروحك الطاهرة السكينة والخلود واللعنة على القتلة والخونة والمتامرين .